]بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: الدكتور عثمان مكانسي
قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم" وهذا دليل على حاجة العبد لربه -سبحانه- لأنه يخطئ بالليل والنهار والاستغفار إقرار بعبودية العبد لربه، وذل منه إلى المعبود. وقد أثنى الله تعالى على عباده المستغفرين بالأسحار فقال:
[الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار].
فهم يدعونه سبحانه تعالى بالأسحار، يسألونه، ويستغفرونه دائبين دائمين. وإنما فعلوا ذلك لأن الأسحار أوقات تنزلات رب العزة، وفتحه أبواب العطاء والجود والرحمة على وجه أكبر وأعظم.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأعطيَهُ، من يستغفرني فأغفرَ له" وفي رواية لمسلم "من يُقرِض غير عديم ولا ظلوم؟ حتى يطلع الفجر" وفي رواية لغيرهما "هل من تائب فأتوبَ عليه: من ذا الذي يسترزقني فأرزقَه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفَ عنه، ألا سقيم يستشفي فيُشفى؟".
فالله تعالى يتجلى على عباده وقت السحر بالغفران والعطاء والإحسان وإجابة الدعاء وتحقيق الرجاء، فلا يُرَدُّ فيه سائل، ولا يخيب فيه آمل. وروى عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عزّ وجل في تلك الساعة فكن".
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أيُّ الدعاء أسمع؟ أي أرجى إجابة. قال صلى الله عليه وسلم : "جوفَ الليل، ودُبُرَ الصلوات المكتوبات" أي وراء الصلوات المفروضة.
وفي رواية "أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد".
فيا أخي الحبيب في كل يوم ساعات رائعات، فاغتنمها في وقت السحر حيث الناس نيام يغطون في سبات عميق ونوم ثقيل، أما أنت وإخوانك فتقفون أمام الله، تتذللون، وتتضرعون، وتقبلون على الله سبحانه، تناجونه، وتتقربون إليه، وتستغفرونه وتسألونه الرحمة والغفران، والقبول وحسن المآل، وهو غفار الذنوب، ستار العيوب. جابر العثرات، لا يرد سائله سبحانه.
قال نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً: كان ابن عمر يحي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ أي هل دخلنا في السحر فأقول لا. فيعاود الصلاة، فإذا قلت له نعم: أي دخلنا في السحر قعد يستغفر الله تعالى حتى الفجر
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يخرج من ناحية داره مستخفياً وقت السحر، وفي رواية: كان يُسمَعُ ذلك من داره وقت السحر فيقول: اللهم إنك دعوتني فأجبتك، وأمرتني فأطعتك، وهذا السحر فاغفر لي، فقيل له في ذلك، فقال: إن يعقوب عليه السلام حين سوّف بنيه - أي وعدهم بأن يستغفر لهم وقال لهم "سوف أستغفر لكم ربي" - أخرهم إلى السحر، لأنه وقت إجابة.
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: لم أخَّرَ يعقوب عليه السلام بنيه في الاستغفار؟ قال "أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب".
ومن أشدّها رجاء سحر يوم الجمعة. فقد روى الترمذي في حديث طويل، وحسنه والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما - وفيه يقول صلى الله عليه وسلم. وقد قال أخي يعقوب لبنيه "سوف أستغفر لكم ربي" يقول "حتى تأتي ليلة الجمعة".
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة".
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:
بلغنا أن داوود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل أي الليل أفضل؟ فقال: يا داوود ما أدري، إلا أن العرش يهتز في السحر.
اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المستغفرين، واكتب لنا عز الدنيا والآخرة، وبلغنا مما تحب آمالنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم]